لم أرى قط بلدا أقوى من موريتانيا التي يتنافس أبناؤها على هدمها منذ الإستقلال ولاتزال إلى اليوم صامدة في وجه الإنهيار". لا أعرف لمن تنسب هذه المقولة إلا أنني أرى أن مدلولها متأصل في ذهنية ولاشعور الإنسان الموريتاني وينعكس بشكل واضح في سلوكه وتصرفاته وقد يكون للبئة البدوية التي نشأ فيها الموريتانيون الدور الأبرز في رسم معالم هذه الشخصية حيث أن نزعة الترحال تحول دون أي إرتباط بين الإنسان والأرض وتبرر بالتالي الإفراط في استغلال مواردها الطبيعية .. قطع الأشجار ، إشعال الحرائق ... ما يجري اليوم في بلدنا من استنزاف رهيب للموارد الطبيعية وتلويث قياسي للبئة لا يشذ عن هذه القاعدة ، نخبة متنفذة لا ترتبط بالبلد ولا ترى فيه مستقبلها ومستقبل أبنائها وإنما مجرد فرصة نادرة لتكديس أكبر كم ممكن من المال ثم التقاعد (الإختياري أو القسري) في بلد أجنبي لتأتي بعدها نخبة جديدة سرعان ما تشرع في ابتزاز شركات التعدين العاملة في بلادنا تحت طائلة التهديد بمراجعة العقود المجحفة في حق البلد والتي أبرمتها مع النظام السابق لتنتهي الحملة بعد حصول النخبة الجديدة على عمولات مشابهة للتي حصلت عليها سابقتها مقابل السكوت عن استمرار هذه الشركات في استنزاف ثروات الشعب الموريتاني وتلويث بئته لقاء عائد لا يتجاوز 3% ، "جاء نسر وأخذ كسرته ومشى ثم جاء نسران وأخذا كسرتيهما ومشيا مثل النسر الذي جاء وأخذ كسرته ومشى..." ، دوامة من التنافس على النهب لن تنتهي إلا بانهيار البلد . لازلنا نتذكر ضجة الملحقات الأربعة التي ثارها المجلس العسكري الإنتقالي ضد شركة وود سايد النفطية الأسترالية وتحججه بأن هذه الملحقات تضر بالمصالح المادية لموريتانيا وببئتها البحرية وإصراره الشديد على إلغائها لينتهي الأمر بدفع وود سايد مبلغا معلن عنه وصل 100.000.000 دولار ولاندري ما إذا كانت قد قامت بتحويل مبالغ أخرى لحسابات بعض المتنفذين. يجزم معظم الموريتانيين أن الجدوى الإقتصادية للشركات العاملة في مجال استخراج الذهب سالبة ، إذا ما أخذنا في الحسبان الأضرار البيئية التي تسببها مادة سيانيد السامة من تلويث للمياه الجوفية والغطاء النباتي من ما سبب نفوق الميئات من رؤوس الإبل وتفشي مرض السرطان بين السكان ، ويتساءلون (الموريتانيون) عن مغزى الإبقاء على نشاطها مادام نصيب الدولة الموريتانية لا يتجاوز 3% من رقم أعمالها ، إلا أن العارفين بخبايا الأمور يرون أن سر الإبقاء عليها هو أنها تقدم عمولات سخية لأشخاص نافذين. فوجئ الموريتانيون باتفاقية الصيد المجحفة التي وقعتها الحكومة الموريتانية مع شركة صينية وصوتت الأغلبية البرلمانية على تمريرها رغم المعارضة الشديدة التي قوبلت بها من طرف نواب المعارضة ، عمال قطاع الصيد وعامة الشعب ويؤخذ على الإتفاقية المذكورة جملة من المآخذ أهما:- أن لها بنود سرية خطيرة تم حجبها عن البرلمان - أن ظاهرها صيد سطحي بينما باطنها صيد أعماق - أنها تستخدم تقنية خطيرة تم تحريمها في الصين قبل 30 سنة ومن شأنها استنزاف ثروتنا السمكية - أنها تشمل حق الشركة في الصيد على الشواطئ من ما سيرمي بآلاف الصيادين التقليديين إلى جحيم البطالة - أنها لاتلزم الشركة بتوظيف القدر الكافي من العمالة الوطنية - أنها لاتؤدي إلى تحسين وضع ميزان المدفوعات على اعتبار أن العملات الصعبة الناتجة عن تسويق منتجات الشركة في الخارج لايتحكم فيها البلد وبالتالي لايمكن استخدامها في تسديد وارداتنا من الخارج على العكس من ما لوكانت الأموال تعود لمقيمين موريتانيين بالمفهوم الإقتصادي لحاسابات الناتج الداخلي الخام أرى أن إصرار الحكومة على التشبث بهذه الإتفاقية المثيرة للجدل رغم إضرارها البين بالمصلحة الوطنية ورغم المعارضة الواسعة التي جوبهت بها من مختلف الأوساط الشعبية والعمالية والنيابية يعتبر أمرا مثيرا للشبهة وتفوح منه رائحة صفقة أخرى تم تمريرها من تحت الطاولة لاشك سيستفيد منها أشخاص نافذون. عندما خرج الرئيس محمد ولد عبد العزيز من الظل في انقلابه الثاني ذكر في تصريح رسمي لوسائل الإعلام الوطنية أن موريتانيا بلد غني بموارده الطبيعية ولا حاجة له بالمساعدات الأجنبية وأن نظامه سيعمل على حشد هذه الموارد وعقلنة الإنفاق وسد ثقوب الفساد من ما سينعكس إيجابا على حياة المواطن العادي ، صفق الشعب لهذه التصريحات التي أعادت إليه الأمل بعد ما يئس من الطبقة السياسية الإنتهازية التي تعاقبت على كاهله المنهك وخرج عن بكرة أبيه للتصويت يوم 18 يوليو 2009 حيث نجح في حسم المعركة الإنتخابية ، في الشوط الأول ، لصالح المرشح محمد ولد عبد العزيز وما إن استتب الأمر للرئيس المنتخب حتى بدى بشكل واضح تنكره للشعارات التي كان يرفعها طيلة الحملة والتي أكسبته ثقة الجماهير فبدلا من تجريد المفسدين من مناصبهم رأيناه يحيط نفسه بأئمة الفساد وبدلا من حشد الموارد رأيناه يمرر صفقات مجحفة في حق الشعب الموريتاني وبدلا من تحسين القدرة الشرائية للمواطنين نراه يرفع الدعم عن الغاز المنزلي محطما بذلك الرقم القياسي في السباق إلى القاع الدائر بين معاول الهدم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق