منذ السنوات الأولى للاستقلال، أطفأ الناهبون واللصوص أضواء الحرية والديمقراطية والمراقبة وحولوا البلاد إلى قطعة من ليل ثم صاروا يفعلون ما يشاءون.. ينهبون ويسرقون ويجوّعون ويأخذون الإتاوات بالملايين ويعقدون الصفقات المشبوهة ويتصرفون في الشعب كما يتصرف الراعي في قطيعه..
الموريتانيون يعرفون اليوم كل أصحاب «الإتاوات والعمولات» الذين يتخفـّون خلف نفوذهم وسلطاتهم، لذلك يوجهون إليهم رسالة تقول إن موريتانيا اليوم والغد لن تكون أبدا مثل موريتانيا الأمس.. أخرجوا أيديكم من جيوب الشعب وإلا فإن النتيجة ستكون «شوينة حتّه»..
نحن هنا نتكلم عن وإلى من هو قائم الآن على رؤوس الأشهاد من مسئولين.. وعودٌ زائفة خاوية.. ومحاولات سخيفة لا تنطلي على أحد لامتصاص كبت الشعب الموريتاني.. نارٌ تحرق وتأكل الأخضر واليابس من مقدرات هذا الشعب المسكين.. سرطانٌ يسري وينتشر بسرعة جنونية طولا وعرضا في إدارات الدولة ومرافقها.. تعيينات تدبّر بليلٍ وعطايا تساق بلا سائل أو رقيب.. ومزادات سرية لمن يرغب في شراء منصبٍ ما..
هل نحن أمام حالات هلوسة، «فانتاسم حاد»، عودة إلى الضلال القديم، أم أمام كلّ هذه العاهات مجتمعة؟؟
بعد أن استنكرنا بشدة ما غرقت فيه الحكومة من استجداء للمحسنين لمد يد العون والمساعدة مستعينين بخبراء من الشقيقة الصومال.. ها هي صاحبة الفضائح والمصائب حكومة "العجزة" تنفخ في جسدها الروح برفع سقف برنامج "التضامن" إلى ما يزيد على 26 مليار أوقية.. والعودة بقوة إلى سياسة "القص واللصق" من ممارسات العهد البائد من ما يسمى بالغذاء مقابل العمل.. زيادة جديدة في سعر المازوت لا نفهم منها إلى أنها دعوة ضمنية لملاك السيارات لهجرها وممارسة أعمالهم سيرا على الأقدام محافظة على الصحة والبيئة .. وهما بالمناسبة من أولويات دولة رئيس الوزراء ومكان لأهل ثقته فقط من أحجار لعبة الشطرنج.. تعامل أمني قمّة في اللا مسؤولية مع ثلّة الواقفين بالأمس في ساحة "ابلوكات" أعطى صورة جد مؤسفة عن الإعاقة في تقدير ووزن الأمور ومعالجتها بحكمة وموضوعية.. أيتها الحكومة دم الموريتاني غالٍ.. ولتذهبي إلى الجحيم إن كان سعر بقائك يدفعه الصحفيون.. المارّة وأصحاب الفضول من ضرب وتنكيل واعتقال.. هذا كلّه والخير موجود نكتفي بذكر هذا القدر منه. كلّ ذلك حدث في أقل من أسبوع والقادم أدهى وأمر.. ذكّرني كل ذلك بشيخٍ هَرِم كان مُحدِّثه يصرف نصف النهار لإسماعه ما يقول والنصف الآخر ليُفهمه ما قيل.. ترقيعات تلو الترقيعات.. لم تزد الثوب إلّا قبحاً ورثاثة.
نحن بصراحة أوشكنا التعود على سياسة الحلول الآنية التي نسجل لحكومة ولد محمد لقظف البراعة في سردها وعرضها دون الحاجة لاقتناص الفرص المواتية لذلك، فقد ألفنا مهم ذلك بصور وأحجام ونكهات مختلفة.. بدل أن يقوموا ككل الأنظمة التي تحترم شعوبها وتحرص على مصالحها برسم خطط طويلة وقصيرة المدى من شأنها النهوض بالبلد ودفع عجلة النمو فيه.. عوض ذلك نرى صورا متعددة من التقاعس الغير مبرر والرضوخ دائما لتذمر الشارع في آخر لحظة.. وكنتيجة طبيعية يخرج علينا السيد الوزير الأول أو من ينيبه بمسكنات لا تسمن ولا تغني من جوع.. وكأن المواطن هو طفل رضيع يعوي بسبب وبغير سبب.. وبئس الأمّ هي.
لماذا علينا في كل مرة أن نتعود تلقي الصدمة تلو الأخرى والإحباط بعد الإحباط منك يا سيادة الوزير الأول ويا أحجار الشطرنج؟ أين هي هيبة الدولة؟ أين هو الانبهار بالحلول المدروسة التي تنم عن حنكة صاحبها وتمرسه؟
أود هنا إيضاح فكرة، أنا من المؤمنين بالرئيس محمد ولد عبد العزيز وما يريده الرجل من إصلاح للبلد والنهوض به.. وهو إيمان لا يقبل المساومة أو التشكيك.. لكن أنا والكثيرون تململت أنفسنا من ما يحصل وما آلت إليه الأمور من تسيير يسير بنا إلى الوراء.. سيدي الرئيس الأمر وصل حدّ الإحباط.. نحن نجد الناس منقسمة تجاه الدعوات والحراكات الحاصلة هذه الأيام فمؤيدوك صنفان.. صنف يفهم ما يجري وصنف يريد أن يفهم.. كيف لها الجرأة أن تبلغ بهم حدا يهدّوا به جلّ ما وعدت به؟ أين هو أدائهم وتسييرهم للبلد من برنامجك الانتخابي؟ أين هي المحافظة على المكتسبات المتواضعة التي بدل أن تنمو وتربو أخذت في التلاشي والاندحار؟ من خوّلهم السعي إلى هدم ما بينك وبين 52 في المائة من الشعب من ثقة ودعم؟ من آذن لهم باللغو في يمينك الدستورية وهتك عرض المواد الثانية، والرابعة، والعاشرة، والثالثة عشرة، والرابعة عشرة، والعشرون من الدستور الموريتاني؟ إلى متى السكوت سيدي الرئيس عن تصرفاتهم المشينة من نميمة وتجسس، ألم ينشأ جهاز خاص بتلك المأموريات؟ سيدي الرئيس إن كانت هناك أزمة رجال في البلد فلتكتتبوا وزراء من الصين مثلا؟ هم أقل أجراً وأقل نهبا.. أقل وساطة وقبلية..
الظرفية الحالية تتطلب تعاملا من نوع خاص لا مكان فيه لمحاباة أو تجميل للقبيح.. السيد الرئيس عليه أن يهبّ بروح الشجاعة والإقدام التي عهدناها فيه .. المشهد السياسي بحاجة إلى قراءة أكثر جدية وتقديم لمصلحة البلد على أي اعتبارات أخرى.. لا بدّ لحوار صريح مع إخواننا في المعارضة يحني فيه الجميع أعينهم عن التقاسمات الأنانية ويجعلوا من مصلحة الوطن والمواطن شغلهم الشاغل وهاجسهم الأساسي.. لدينا جهاز قضائي لم يسلم هو الآخر من الإسقاط الجوي لأولي قربى الحكومة.. دعونا من ذلك فالعلم علمهم.. لكن أوجه كلامي لؤلئك الذين فرضهم واقع السلطة وبطشها قضاة علينا.. عليكم أن تضعوا قبالة أعينكم تلك اللوحة الكبيرة التي تحمل الآية الكريمة «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، عوض أن تضعوها خلف ظهوركم في قاعات المحاكم، بل عليكم أن تضيفوا إليها لوحة تحمل الحديث الشريف «الظلم ظلمات يوم القيامة». فكل حكم جائر يعتبر ضربة قوية لأسس الدولة، والأمم تتقدم بالقضاء النزيه وتنهار بفساد القضاء.. كذلكم الجهاز الأمني بجميع أذرعه تستدعي حالته المؤسفة تقييما عميقا وعقد ورشٍ لتدارس مكامن الخلل وتدارك تلك الأعطاب وليكن في الحسبان أن العلاج سيطال كائننا من كان ويعلي ويقدّر دور كل من تفانى وأخلص.. وليس أخيرا بيت المال الموريتاني.. يستغيث هو الآخر ولا بد من حملة شاملة لتعقيمه و تلقيحه باللازم من الأمصال.. لتستعيد العملة الوطنية عافيتها.
سيدي الرئيس يجب أن تزرع في الناس قول الحق ولو على قطع الرقاب.. إنه لمن المقزّز أن نرى ما نراه من نفاق وتملق بمناسبة وبغير مناسبة.. من الوزير للمدير لأصغر عامل.. تًملّق.. نافق.. أو غادر..
أما أنت يا حكومة الجرذان التي تنشط وتتفاعل ليلاً فقط.. عندما يروح الناس إلى أولادهم جوعى ومديونين.. أُذكرك .. أنك للأسف اؤتمنتِ فخنتِ.. فقدت شرعيتك بتخليك عنا ورمينا عرض الحائط.. فقدت احترامك.. وهيبتك.. ارحلي بما بقي لكي من ماء وجه.. أو انتظري إقالة قريبة.. إنشاء الله جدّا قريبة.. فرئيسنا غير عامٍ عن كلّ ما يحدث.. وكل صغيرة وكبيرة تحاك في تلكم الصالونات ليلاً هي في الحسبان.. والحساب آت يا زمرة "المغتنين الجدد".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق