مثير للشفقة و الاشمئزاز أن تتحول الشرطة الوطنية التي أدمنا التعايش معها و صافحناها "مائتي" مرة في الشوارع و الحواري و الأزقة و على الأرصفة، - أن تتحول- فجأة إلى غول يلتهم بنشوة أجساد فتية عزّل خرجوا في مظاهرات سلمية للمطالبة بإصلاحات سياسية و اجتماعية في دولة تدعي أنها ديمقراطية.
و مثير للشفقة أيضا أن يكون الرد الرسمي على مطالب الشباب ما تكفل به مدير الأمن حين بعث في مفوضيات الشرطة حاشرين ليقول إن المتظاهرين شرذمة قليلون وإنهم له و لرئيسه و للحزب الحاكم و بلطجيته غائظون.
نظرة محايدة لما جرى مساء أمس الجمعة قرب ساحة بلوكات في العاصمة نواكشوط تبحر بصاحبها في لا وعيه المفروض عليه نتيجة الإفراط في استخدام مسيلات الدموع إلى أن يعتقد أن رحى معركة بين أعداء ألداء تدور في محيط الساحة و أن أحد الطرفين ليس من لحم و دم الآخر.
كان المشهد في بدايته يحيل إلى الكثير من التمدن، شباب يرفعون العلم الوطني و يرددون شعارات مطالبة بإصلاح النظام الذي لا يختلف اثنان على أن عجلته لا تدور في الطريق الصحيح، يوزعون الماء البارد على الشرطة، و شرطة مدججة بالهروات و قنابل الغاز المسيل للدموع تحرس أرضا يبابا بيعت في لحظة من لحظات الزمن الردئ إلى الخواص..
بدأت رويدا رويدا تتشكل ملامح نهاية العلاقة "الحميمية" التي تجمع المطالبين بالإصلاح مع المطالبين بإخلاء أرض المطالبة بالإصلاح حين اندست في صفوف المتظاهرين جماعات من البلطجية مستخدمة السلاح الأبيض ضد المتظاهرين لترويعهم و رفض الشرطة التدخل بحجة انتظار الأوامر، حينها أصر التاريخ على استحضار ذاته و أصرت سنة الله في خلقه أن لا تتبدل، فللدكتاتوريين في مصر و تونس و اليمن و ليبيا و موريتانيا طريقة واحدة و إن اختلفت الألوان و الألسنة التي تلهج بالنداء فوق الأرض و تباينت أهمية الثروات تحت الأرض و تفاضلت فترات مكوث الحاكمين على كرسي "العرض".
لكن المفاجأة المدوية هي حين قررت الشرطة على طريقتها أن تنهي المشهد السلمي الوديع فبدأت بشكل ارتجالي "مدروس" بإطلاق عشرات قنابل الغاز المسيل للدموع دون تفريق بين صحفي و متظاهر و مار و حتى دون إنذار أفرادها الكثر الذين كانوا يندسون بالزي المدني بين المتظاهرين، حينها و بوحشية مألوفة نزعت الشرطة عن وجهها القناع الزائف و القائل باحترام القانون و الدستور و أنها في خدمة الشعب و أظهرت وجهها الذي نعرفه جيدا أيام حكم العقيد ولد الطايع وهي أنها في أحسن أحوالها – رغم أن أفرادها لا يملكون من الأمر شيئا- وجدت لقمع الشعب بقنابل الغاز و الهراوات أو بالإتاوات و الغرامات في زمن الهدوء.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو ما أثاره النائب البرلماني محمد المصطفى ولد بدر الدين حين قال إنه كان من الأجدر للشرطة بدل التنكيل بأبناء جلدتها أن تطالب بتفعيل قانونها المنظم و هي التي ظلت منذ استقلال موريتانيا أكثر القطاعات فوضية ولا غرابة فمقراتها مـ"فوضيات" و لا بد أن يسيل شيء من مضامين الحقل اللغوي للإسم على جبين المسمى.
الدو ولد سلمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق