إ ليك أنت.. إليك يا من تتمثل قول طرفة بن العبد:
إذا قيل من فتى خلت أنني.. عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
إليكم أيها النبلاء، الذين لا تنامون على الضيم، و"لا تسألون أخاكم حين يندبكم … في النائبات على ما قال برهانا"..
أناديكم.. تنزف جراح قلبي، وأنا أسرد بين أيديكم قصتي، لا لتقرأوها فضولا، وإنما لتكون محفزا لكم لهبة تنهي معانتي..
أيها النبلاء.. أنا سيدة تجاوزت عتبة الخمسين بأشهر، تعرضت خلالها لألوان من جرائم الشرف، أقلها أني اغتصبت سبع مرات، وزوجت قسرا مرات، ومنعت الزواج ممن أريد عضلا..
اتفق من تولى أمري على الحجر علي، ومنعي التصرف في أموالي الطائلة، التي ورثتها وهي أموال كافية –لو تركت لي- لأعيش ملكة..
سائر الجرائم التي كنت ضحيها طويت على عجل ملفاتها، بحجة عدم كفاية الأدلة أو التقادم، وأن الله يعفو عما سلف..
أنجبت أبناء كثرا فكانت حياتهم لونا من ألوان العذاب الذي ابيض لهوله قذالي، فرقتهم فجاج السياسة، يتناحرون نهارا، ثم يأوون إلي ليلا خماصا، فأسد رمقهم بما استطعت إخفاءه عن زوجي،.. عقني أكثرهم، وأحسنهم أخلاقا من سلمت من أذاه – على قلتهم-.
شكوت إليهم جميعا ما أنا عليه، فكانوا بين راغب لا يقدر، وقادر لا يرغب ..
انبهر أحدهم بما سمع عن سطوة الجيش وقدرته، فيمم ثكنة عسكرية ذاق فيها من صنوف المهانة والظلم ما أنساه حلمه، ثم قذف به ليلا إلى صقيع بلقع لا ماء فيه ولا خباء، فتلقفته يد غادرة أمطرته وابل رصاص فأروى ظمأ الصحراء بدمائه، وحين طلع الفجر كان الغادر يتلمس جيوب ضحيته بحثا عن ما يسد خلته، فما وجد غير بطاقة هوية، كانت غنيمته الوحيدة.. فالقتيل أخوه.. نعم أخوه من زوج لي غير أبيه، اتفقا على القتال واحتدم الخلاف بينهما حول ميادينه، فقصد الصغير سوحا أشربها في قلبه، فاقسم أن يزعزع أركان بيتي بحجة طاعتي لزوجي الذي يراه مؤتمرا بأمر غيره.. فقطعت يدي يدي..
أحد أبنائي سلك مسلكا آخر فصرفت عليه من حل مالي ما حصل به على أعلى الدرجات العلمية، وحين آب من غربته الطويلة أراد أن أكل إليه أمر إحدى شركاتي فرفض زوجي قراري بحجة أني موضع حجر لا يحق لي التصرف في أموالي، فما كان من ابني إلا أن ركب البحر قافلا إلى حيث كان، فحرمت رؤيته وخبرته، وأخشى أن أحرم حبه..
أرحم أبنائي بي طفلة من الله عليها بالصمم، فلا تسمع مراء أبنائي وأزواجي، وتعيش حالمة، ترقبهم يتجادلون ويتقاتلون، فيفيض دمعها حزنا، لا على جدالهم وإنما على انشغالهم عن معاناتها.
آخر أزواجي وعدني قبل العقد أن يكون منقذا، وما إن انفرد بي حتى سقط القناع فبان من لؤمه ما أخفى؛ يذرع بقاع الأرض من أموالي يبذرها على أعوانه وخلانه وإذا طلبت منها مدخرا للشدائد، بادرني بالقول إني لن أجد أياما أشد من أيامه،.. وإن قلت له: وأبنائي وأحفادي..؟ قال: مالي ولهم..؟ لتتفرق بهم سبل الحياة كما تفرقت بمن سبقهم..
أيها الشرفاء والنبلاء..
إني اليوم أناشدكم الله والرحم، أن تقفوا إلى جانبي، أن تعيشوا مأساتي، ففيها لكل منكم وجه،.. تأملوها.. لن يعدم أي منكم سطرا من قصته بين صفحات حياتي..
أفلا تغارون إن أهنيت حرائركم..؟، أفلا تنتفضون إن نهبت أموالكم..؟، أفلا تبسلون إن استنجدكم مستضعف..؟!
لا أحلم أن أكون مثل جارة لي خلصها أبناؤها من القهر يوم نسوا تعدد آبائهم، وتذكروا أن هذا الرحم الذي أتى بهم إلى العالم كاف لتوحيدهم..
أنا لا أحلم بذلك.. وإنما أحلم أن تجتمعوا.. تتشاوروا.. وما أجمعتم على أنه طريق الخلاص اسلكوه.. وما التقصير أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها كما تنافسها أبنائي وأزواجي فتهلكوا..
فالبدار.. البدار.. قبل أن يسبق الرصاص العذل..
أمكم.. موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق