لم يفاجئني أبدا أن أقرأ أنك محبط من أداء حكومتك يا رئيس الجمهورية، لأن كل الإنجازات والتعيينات والقرارات تدل على أن هنالك خلل في تركيب موريتانيا الجديدة.
كل المقابلات، والتحليلات، والمقالات، تدل على أن هنالك أشياء في غير محلها، وهي أمور متوقعة من حكومة فاقدة للشرعية، في زمن أصبحت الشعوب فيه تقرر من يحكمها.
فعذرا يا رئيس الجمهورية على هذه الحروف والكلمات، لأننا في وطن لا نملك فيه من آليات العيش الكريم إلا أقلاما نسطر بها عوالج أحزاننا، وكوامن أشجاننا، ونعبر بها عن واقع قد يقودنا التعبير عنه إلى جدران السجون، لكن الشاة لا يضرها السلخ بعد الذبح.
أنا أكتب في الصحف منذ زمن بعيد، لأنني متخصص في المعاملات البنكية، وزميلي يكتب فيها لأنه متخصص في سمسرة الأراضي، وآخر يكتب فيها لأنه غير متخصص في شيء ولا يعمل في شيء. وحتى في التلفزة والإذاعة "غير الوطنيتين" يوجد الصحفي الذي لا يملك شهادة الباكلوريا، فليس هنالك معهد، ولا مدرسة، ولا مركز في التخصص، قبل تلقيح المدرسة الوطنية للإدارة بالصحافة والقضاء، ففي هذا الوطن التعس قد تكون صحفيا أو محاميا أو قاضيا بتكوين من القبيلة أو الجهوية أو المحسوبية. وبما أن كل مناسب في المكان غير المناسب كنت محبطا يا رئيس الجمهورية.
محبط من وال أحسنت فيه الظن ، فخانك في شرف المدينة ونظافتها، واحتال على أموال خصصت لرشف المياه من شوراع ما كان ينبغي أن تتجمع فيها أصلا.
محبط من وزيرك لحقوق الإنسان، الذي أثبت لك أن أموال الجمعيات والهيئات والسجون هي أول ما يسرق في موريتانيا الجديدة، لأنها جمعيات شخصية وهيئات وهمية وحقوق لا وجود لها.
محبط من كل اجتماع وزاري، لأنك لا تعلم أي وزير أو وزيرة سيكون فارس أو فارسة المفسدة الموالية، لكن العيون غير الحوراء، والملامح غير البريئة، التي نراها في اجتماعكم توحي بوجود رئيس خائف من وزيره، أو وزير خائف من رئيسه، لكنه ليس الخوف على الوطن ولا على المواطن بدون شك.
محبط من الفقيه، والطبيب، والسفير، والمحامي، والمثقف و الشاعر..لذلك ضاعت شؤونك الإسلامية على يد الفقيه، وضاعت الصحة على يد الطبيب، وضاعت الكتابة المخلصة على يد السفير، وضاعت قيم الثورة على يد المحامي، وبان التزلف والتناقض في محاضرات المؤرخ، وقال الشاعر إن:" ولد عبد العزيز صان الحمى، واسترد الخصال، وتصدى لكيد المفسدين، وذاد عنها برد سهام السلفيين"، فسبحان من خلقه وخلق أبو القاسم الشابي.
محبط لأن موريتانيا الجديدة، جديدها التفجيرات و الانتحارات، وأول متفجر في عهدك، وأول محترق في عهدك، وأعلى نسب التدهور في جميع القطاعات في عهدك، وربما سيكون أول ميدان تحرير في عهدك، فمن حقك أن تكون محبطا.
محبط لأن الذين دخلوا الجيش من أجل الحب والقناعة، ماتوا وأعدموا من أجل حماية قصر يدخل بالصدفة ويخرج بالكراهية.
محبط لأن الرئاسة لا تنال إلا بالانقلاب، ولا ينفع في دوامها الانتخاب، ولاشك أنك تعلم يا رئيس الجمهورية أنك محاط برجال من العسكر يفكرون تماما كما كان يفكر العقيد زمن ولد الطايع، وكما كنت تفكر زمن الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، فمن حقك أن تكون محبطا خوفا من سحب بساط من أمامك، أنت سحبته من غيرك ظلما وتعديا، وسيدعي ساحبه أنها "حركة تصحيحية" أو حركة تجميلية لوجه الوطن القبيح، فمن حقك أن تكون محبطا.
محبط من من يقودون الثورات، ويدافعون عن الحقوق والأقليات، لذلك تسجن بلا سبب، وتعفو في أية مناسبة، ولو كنت مخيرا في سنن البشرية لأردت أن يكون في كل شهر عشرة أعياد، لتعفو عن سجناء سجنتهم لمجرد أنك محبط
محبط لكونك محاط برموز الفساد، وكأنك مرغم على وجودهم بجوارك، فما الذي يبرر تعيين ذاك على مدرستك الوطنية، والآخر على مجلسك الدستوري، والآخر سفيرا، وآخر على ديوانك، وآخر مستشارا... مع أنهم شغلوا أعلى المناصب في الدولة مازلت تلميذا في مدرسة "الانقلابات"، فكيف تريد إصلاح الدولة بمن أفسدها ؟، كيف ستصلحها بمن تفننوا في فسادها؟ ستكون محبطا إن كنت تفكر هكذا.
محبط من حزبك الاتحاد من أجل "المصلحة"، لأن المدرس فيه يكون وزيرا، ومدير الصحافة الإلكترونية فيه - والتي قننت بالأمس-، يعين مدير للوكالة الرسمية للأنباء، والمرأة التنفيذية فيه والتي عجزت عن تفتيش حقيبتها "الوزارية و الشخصية" تعين مفتشة عامة للدولة، ومازال كثيرون من داخل الحزب يطمحون، وسيعينون طبعا حسب الكفاءة في النفاق، والخبرة في التملق، وللمرأة المنافقة حظ الذكرين من أبناء الوطن المخلصين والمعارضين.
ستبقى محبطا يا رئيس الجمهورية ما دمت تسير بنفس السرعة، وفي نفس الاتجاه، وبنفس الأشخاص
بقلم : أحمدو بمب ولد محمدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق