٢٠١١/٠٢/٢٦

رسالة إلى حمار..!!/حبيب الله ولد أحمد


سيدي الحمار..أخاطبك بوقار تام لأنك تعرف- في ملكوت حماقتك الأبدية- أن المسافة ضاقت كثيرا- ولدرجة الاختفاء أحيانا - بين الإنسان وغيره من مخلوقات الله..وأنت تعرف- بصلفك الرائع- أن الإنسان يتحول أحيانا إلى مخلوق يستحق الفناء، قذارة و انسفالا خاصة عندما يركب رأسه.
سيدي ربما تتساءل – بتضايق- عن سبب الكتابة إليك، وأنت الذي لا تفهم و لا تعي ولا تتعظ ولا ترعوى..لا تتفاجأ سيدي، ففي عالم اليوم قد يجد البشر متسعا من الوقت للكتابة حتى للحمير وهم الذين وجدوا الوقت للإقدام على دسائس لانهاية له وممارسة الدونية والانحدار في أبشع صورهما..فنصبوا في أرضهم "من يفسد فيها ويسفك الدماء"..
وإذ أكتب إليك، فإنني معجب بقدرتك الفائقة على ارتكاب الحماقات والإصرار عليها والاندفاع نحو مزيد منها..ومعجب بمحاولاتك- الشجاعة- لإرغام العالم كله على القناعة بك والسير خلفك والتمسح ب"علافتك" التي كانت- ولم تزل- ملية بالأوراق المبللة وقطع العلف والقمح والزرع..وأحيى فيك القدرة الخارقة على الإقامة على أرض يقال إن تصرفاتك الرعناء توشك أن تحرقها وتدمرها على من فيها..والشرب من بئر لا تريد أن يشرب منها غيرك.
سيدي الحمار أعرف شعارك الخالد "إذا شربت أنا فليتهدم البئر"..وأنت شربت بما فيه الكفاية، فهل تحق لنا مطالبتك بتأجيل تدمير البئر..شربت لبنا وعسلا وماء قراحا فلماذا عليك أن تشرب اليوم من نهر الدماء العظيم؟!..
سيدي الحمار..لم أستعمل حبوب "الهلوسة"- التي تستعملها بعض الشعوب جماعيا كما قيل لنا- يوما من الأيام، ولا أفكر في ذلك، رغم معرفتي بأن مخاطبة الحمير تتطلب وضعية نفسية استثنائية أكثر من وضعية ما بعد استخدام "المهدئات" و"المنومات" و"المهيجات" .
و"المنشطات"..فالحمير تأقلمت فلم تعد تلقى بالا ل"الفزاعات" ولا للعصي، ولم تعد تخيفها حتى الكلمات المستخدمة من طرف البشر الذي استئناسها ذات تاريخ من قبيل"عر" وأخواته..لقد كسرت الحمير حاجز الخوف، واعتلت الظهور راكبة لا مركوبة، ونشرت الرعب، وأصبح "نهيقها" فكرا، و"روثها" الأخضر- غالبا- عنوانا للمجد والحرية والكبرياء..وأصبحت "دبراتها" نياشين وأوسمة شرف، وأصبحت دعوتها لقتل البشر وتدمير الآبار ثورة فاتحة جامعة مانعة..ألسنا في زمن العجائب؟؟!!
سيدي الحمار..أعرف- قطعيا- أن العالم كله تغير بخرائطه وحقائقه..بثوابته وركائزه بقيمه ومبادئه..وأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة التي تخوضها الآن يائسا ضعيف "النهيق" غير قادر حتى على الرفس ولو بالرجل اليسرى!! حتى وأنت تقاتل بجيش من البراغيث والخفافيش التي جعلها تغير كل شيء في العالم تدافع عنك، بعد أن كانت تتدافع على ظهرك الموجع بالقرح أيام كنت بائسا بلا "علافة" تهرب لمجرد سماع صوت مهما كان ضعفه وبحته..هي على أية حال وفية لأن حشرات أخرى أكلت معها فوق ظهرك المحني ألما، وتراقصت في "علافتك" ردحا طويلا من الزمن، وحركت قرونها وأجنحتها المهيضة نفاقا وتطبيلا، قبل أن تنقلب عليك لأن ذئاب الغابة أمرتها بذلك..وللأمانة فأنت يا سيدي الحمار - رغم كل حماقاتك ونزواتك وصلفك- كنت ذات مرة حيوانا نبيلا يفتح "علافته" لبقية الحيوانات حتى ولو تطلب ذلك تجويع أبناء جلدته..ومعظم الذين يستثيرونك اليوم ويصرخون في وجهك كانوا معك ذات يوم يأكلون فتات "علافتك"..ولو نظرت بين أذنيك، أو حول "دركتك" لرأيت لحى لتيوس، وشعرا لنعاج، ومخالب لطيور، وأظلافا لحيوانات، وريشا لحشرات مجنحة، هي اليوم تحاول إزاحتك بقوة، وبكل ما تملكه من وسائل ..حتى الببغاوات والبلابل التي رددت مديحك الفج، وأكلت قمحك الندي وصعدت ظهرك "المدبور" هاهي اليوم تتقدم الصفوف لإزاحتك.!!
سيدي الحمار لقد شرقت بالدماء التي أسلتها بطاحا وبلغ سيلها الزبى فهل إلى هروب من سبيل؟!..كيف أخذتك العزة بالإثم لتقول أنا ومعي الطوفان؟؟!!..سيدي لقد أدميتنا، وجرحتنا في الصميم، وأغرقتنا في بحار الدماء والدموع، فهل لنا أن نطلب منك ببساطة أن تترك لنا ما يمكن إنقاذه من أرض حرقتها وتتوعد بأن تحرقها مرات ومرات؟!
اخرج بهدوء يا سيدي من أرضنا..من بئرنا..لن نغري بك الصبية والمراهقين..لن نصادر"علافتك"..لن نحاسبك على عقود من الزمن "حككتنا" فيها بظهرك وداويت بنا "دبراتك" الكثيرة، ودهنت جلدك بعرقنا ودمعنا وبؤسنا.."نهقت" بما فيه الكفاية.."صفطت" كثيرا كما يحلوا لك.."تمرغت" كثيرا، وملأت الأفق بالأصوات التي علمتك الطبيعة أن تخرجها من هنا وهناك عبر خارطة جسدك كله.."نكست" فلم تبق "نكسة" إلا وكنت عنوانها ورمزها..ما عاد بمقدورنا الصبر عليك..خذلك سبلا للنجاة، على أن لا تعرج على البئر فهو معطل وأنت شربت بما فيه الكفاية، فلم يعد يهمك في شيء..أليست تلك هي فلسفتك المقدسة..؟..لا تعرج أيضا على غابات "العرورة".. فنحن لا نريد للحشرات التي آمنت بك ثم كفرت، ثم آمنت ثم كفرت، أن ترقص بعدك شماتة وحقدا، لكننا نريد- وأنت تختفي هاربا في سحابة غبار ودوي كثيف لكل أصواتك المألوفة- أن نرحم "حمار قوم ذل".
سيدي وأنت ترحل عنا - وأظنك ستفعلها مكرها- لا تنس أن تذهب بأم عمرو وأبى عمرو وأبناء عمرو وعمرو..وإذا ذهبت بهم فاسلك بهم طريقا لا رجعة منه

ليست هناك تعليقات: