٢٠١١/٠٢/٢٥

طرابلسية مور يتانيا


في أقل من خمس سنوات أصبح الطرابلسية في كل مكان يتحكمون في كل شيء، من علبة السيجارة والحليب إلى رغيف الخبز، استحوذوا على تموين البلد بالمواد الضرورية، السكر القمح الأرز، وهم أيضا سادة القطاع المصرفي والنقل الجوي والتأمين وقطاع المعادن، وبخبرة بائعي قطع
الغيار حولوا البلد إلى "ابييس ديتاش" تؤخذ مقابل كل قطعة منها عمولة.
خلال حملات ترويج الانقلاب العسكري والحملات الانتخابية التي أعقبته أنفقوا بسخاء لتثبيت الرئيس "بن علي" بصفته القادر على بناء عرش طرابلسيي موريتانيا، وإذا كان الطرابلسية التوانسة قد بنوا إمبراطوريتهم على مدى عقدين من الزمن فإن طرابلسية موريتانيا شيدوا إمبراطوريتهم خلال أقل من خمس سنوات، وبنهم الكائنات الصحراوية اندفعوا يسترجعون ما أنفقوا في الحملات لتبدو البلاد اليوم خاوية على عروشها عاجزة عن دفع رواتب عمالها وتأمين فرص لجيوش العاطلين عن العمل، لا تجد حتى ما تضعه في دكاكين الاستفزاز التي تحتقر سكان هذه الأرض.
تكشف النموذج التونسي عن حالة إفقار مخيفة وعن عملية نصب واحتيال تعرض لها الشعب التونسي أبطالها منتشرون في كل مكان. لقد كان زعيم طرابلسية موريتانيا ورفيقه بورجي ضمن زوار زعيمة تونس في قصر قرطاج ساعات قبل الهروب. كما كان عزيز آخر بن عليات العالم العربي الذين التقى بهم بن اعلي تونس.
مارس رئيس طرابلسية موريتانيا المقاولة وأخذ العمولات والسمسرة منذ سنوات عديدة، خلال فترة المرحلة الانتقالية أخذ عمولته دون حياء من شركة سوداتيل السودانية ويقوم اليوم بتأجير آليات للشركة الناشطة هذه الأيام في صب اسمنت الطرابلسية المغشوش في شوارع نواكشوط. وقد صرح بعد أكثر من سنتين بأنه يملك مبلغا تقول بعض المصادر بأنه في حدود 8 مليارات. وقد دخل ابنه الأكبر عالم المقاولات من خلال مكتب دراسات وهمي يبتز به مقابل الحصول على عمولات.
أما زوجته المغربية فهي تنشط بصمت حيث قامت بتعيين العديد من أصهار العائلة في قطاعات مختلفة من الدولة، أحد هؤلاء وهو زوج ابنة أختها تم رفضه من طرف الاتحاد الأوربي لعدم الكفاءة، ويمارس أصهار عزيز المقاولة من خلال الشراكة مع نائب تيشيت الذي تربطه بهم صلة قوية تمتد لسنوات طويلة من الجيرة في درب الطليان بالدار البيضاء بالمغرب، وقد أصبح الكل اليوم يعرف هذا الرجل من خلال صفقاته السيئة السمعة في وزارة الصيد.
أما الزعيم فهو بائع السجائر الذي وشح في العام الماضي باسم الوطن، وهو الرجل القوي لطرابلسية تونس، وأحد المعجبين بتجربتهم وشريكهم الدائم في كل استثماراتهم في موريتانيا الممتدة من مجال الاتصال إلى النقل الجوي والقطاع المصرفي، هذا الرجل هو المتهرب الضريبي رقم 1 في البلد الذي يتمتع بحصانة دائمة ضد القانون وبإمكانه أن يرسل من يشاء إلى السجن، خلال عام 2008 رفض الانصياع لأوامر مفتشية الدولة كما سخر من قرارات المحكمة العليا حينها القاضية بتفتيش مصرفه، حيث يرى كثيرون أن ذلك كان السبب الرئيسي الذي عجل بالانقلاب على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، وهو يكثر اليوم من البقاء خارج البلاد وقد أصبح مولعا بشراء السيارات المصفحة لحد الهوس ويملك فلات في كل من المغرب، السنغال، اسبانيا وفرنسا. ويقوم بإدارة نشاطه السياسي من خلال شخص متهور يلقب احوياتو هو الرئيس الفعلي لجوقة الأغلبية المنضوية في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الحزب الدستوري لأنصار الطرابلسية في موريتانيا).
تحولت أعماله خلال الفترة الأخيرة إلى امبراطورية الأعمال على غرار إمبراطورية الطرابلسية في تونس، ولعل الكثيرين اليوم يفهمون سر اكتسابها السريع، لأنها استلهمت سر السرقة المدوية التي تعرضت لها قرطاج والتي بنيت من عرق الغلابة.
يترأس الطرابلسية اليوم اتحاد أرباب العمل وغرفة التجارة والصناعة والمخابز والمقاولات ويديرون التأمين الصحي والمحروقات والحالة المدنية و... ويتحكمون في السوق بشكل كامل بعد ما دفعوا أهم منافسيهم إلى التقاعد المبكر، ويديرون أجهزتهم الاستخباراتية والدعائية بالموازاة مع أجهزة الدولة.
لم يضيع الطرابلسية وقتا بعد الانقلاب على ولد الطايع فاستجلبوا أبناء غزية من المقاهي والشوارع الخلفية للبارات في مدن العالم ومهربي السيارات وعملوا مبكرا على إزاحة الطرابلسية القداماء من واجهة السوق ومراكز النفوذ المالي والسياسي، وقطعوا أرزاق كل المنافسين المحتملين، وأرسلوا رجال الأعمال والسياسيين المعاندين من هذه الأوساط إلى السجن لتأهيلهم وإصلاحهم وفرضوا إتاوة (اغرامه) على الموظفين الذين تجب تربيتهم وكانت الأوامر صارمة (يجب أن يدفعوا ذلك عن يد وهم صاغرون).
هكذا استنسخوا وبسرعة فائقة تجربة طرابلسية تونس وهم لا يتوقعون أن يسقط هذا النموذج أبدا، فهل يستنسخ الموريتانيون النموذج التونسي بالسرعة نفسها وهم متأكدون اليوم أن طرابلسية تونس حجزوا مكانهم في مزبلة التاريخ؟
بقلم: عبداتي ولد محمد محمود

ليست هناك تعليقات: