٢٠١١/٠٢/١٦

السلطات الموريتانية ..... سباق مع الزمن نحو الماضي



بقلم | مواطن موريتاني نظيف
مشهد موريتانيا وجمهورية مصر العربية في ظرفيهما الراهنين هو مشهد متنافر حقا في دلالاته ومعانيه .. مشهد تقف فيه مصر على أعتاب عصر جديد مختلف تماما عن كلما سبقه ، بعد أن ظلت الجماهير الواعية والشباب المتحضر يدقون في إلحاح وإصرار عجيبين أبواب المستقبل طوال الأسابيع الماضية ، وحققوا ما أرادوا.  
 قي المقابل تبدو موريتانيا في الجانب الآخر من المشهد وكأنها مقبلة على ورطة حقيقية مع فلول الجماعات الإسلامية المسلحة ، وهي دولة خارجة من عملية تغيير وهمية انخدع بها الجميع حتى قال أحد المثقفين المصريين يومها لو لم أكن مصريا لتمنيت أن أكون موريتانيا ، ثم ظهرت كل الأمور على حقيقتها وتبين أن ذلك لم يكن إلا سرابا بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .  
إن مصر تخوض الآن معركة المستقبل ، وموريتانيا تتوغل أكثر فأكثر قي معارك الماضي، فما يجري من مناوشات مع القاعدة يتم تضخيمها من قبل النظام لحاجة في نقس ولد عبد العزيز وتصويرها على أنها معركة رهيبة يجب حشد كل الجهود وتوحيد كل الصفوف لأجلها هي في الواقع بقايا معركة بدأت تسحب أذيالها من المشهد العالمي ، فقد انتهت القاعدة وحسم أمرها وأصبحت تقريبا من الماضي .. وليس هناك خطأ يمكن أن تقع فيه الدول أو الأمم أشد فداحة من التورط في معارك الماضي ولانجراف فيها .   إن الشباب العربي كله يعيش اليوم نقلة وعي نوعية تنسحب فيها صورة أسامة بن لادن بكل إيحاءاتها ورمزيتها من ذهنه، تاركة مكانها لصورة أشخاص مثل رجب طيب أردوغان وأحمد زويل وآخرين غيرهم قدموا صورة مطمئنة على المستقبل تلوح فيها كل ملامح المصالحة الواعية مع العصر وأدواته .  
 لم يكن أسامة بن لادن والقاعدة كلها إلا حالة ظرفية من حالات الاستعصاء الحضاري والتصادم المؤقت مع العصر ، وهي حالة بدأت تلاشى اليوم وتفقد مبررات استمرارها ، وفي تقديري أنه لن يكون هناك شيء اسمه القاعدة في خمس أو ست سنين من الآن .. لهذا آمل أن يصرف الشباب الموريتاني أنظارهم عن هذه المعركة الوهمية التي يريد نظام ولد عبد العزيز أن يشد انتباههم إليها حتى لا ينظروا إلى معارك المستقبل الدائرة من حولهم .  
 إن كل الأنظمة العربية بدون استثناء ستتساقط تباعا ، لن يجديها قي ذلك برامج التملق الاجتماعي ولا الوعود الكاذبة بالتشغيل ومحاربة الفساد ، فالمسألة اليوم لم تعد مسألة طلبات تشغيل أو تحسين ظروف يراد من الحكام أن يتجاوبوا معها .هذا عصر جديد لم تعد الشعوب مستعدة أن تترك فيه أمورها لأمزجة الحكام ولا لكرمهم أو لؤمهم ولا" لفهمهم البطيء أو السريع ".. بل تريد إرساء ضوابط ذاتية الأداء لا تتأثر بوجود حاكم أو غيابه ولا بذكائه أو غبائه.  
 انظروا إلى حكام العرب اليوم بعد ثورة تونس ومصر وإرهاصات الثورة قي اليمن والجزائر وعمان والأردن وموريتانيا وكوامنها في السعودية والمغرب وليبيا ..إلخ إنهم يضحكون على أنفسهم .. ملوك ورؤساء يحكمون دولا حديثة بأساليب القرون الوسطى أو ما قبلها ، بعضهم يجثم على صدر شعبه من أربعين سنة يقولون لهم اختاروا بيننا والفوضى فإما نحن وإما الفتن والتناحر ..وفي كل بلد حتى في بلدنا هنا تسمع من يقول ذلك .. إنهم لا يضحكون على أنفسهم فقط ، إنهم يضحكون على التاريخ ومنطق الحياة وسنن التطور والتغيير .  
إن انتفاضات الشباب العربي هي اليوم شبيهة بثورات الطبيعة فهي كالزلازل والبراكين لا يدري أحد أين ستهتز الأرض فجأة وتنشق عن إحداها ، ولكن الجميع صاروا يعلمون الآن أنها حين تفور فهي كالطوفان لن تتوقف حتى تنجز مهمتها وتقتلع النظم العتيقة من جذورها.   
كان المرحوم د. عصمت سيف الدولة ( شيخ التقدميين العرب كما كان ُيعرف نقسه ) يقول إن حاضر مصر هو مستقبل الدول العربية وهذا صحيح على الأقل من الناحية السوسيو ثقافية، ففي مصر أكبر وأوسع نخبة في الوطن العربي وفيها أضخم طبقة وسطى أيضا .. والواقع أن كل الأحداث التاريخية المعاصرة تؤكد صحة هذا الرأي ، فعندما كانت مصر في موقع الريادة كان العرب كذلك، وعندما انتكست في عهد السادات انتكس العرب أيضا ، وعندما كانت مسرحا لعمليات العنف من قبل الجماعات السلفية في الثمانينات كان العرب يتفرجون يحسبون أنها مسألة خاصة بمصر بسبب ظروفها وأوضاعها الذاتية ، ولكنهم عادوا واكتشفوا جميعا وبمراحل متفاوتة بعد أن لفحهم لهيب الجماعات المسلحة أنما كان يجري في مصر في ذلك الوقت هو المستقبل الذي كانوا يتقدمون نحوه ..  
 فهل سيدركون اليوم وهم يتفرجون على أحداث مصر وثورتها أن هذا أيضا هو المستقبل الذي ينتظرهم

ليست هناك تعليقات: