أحمد ولد إسلم
صدع حزب الحاكم في موريتانيا وأبواقه رؤوسنا خلال الأسابيع الماضية بتكرار أن موريتانيا ليست تونس ولا مصر، في فزع تفضحه القسمات والكلمات، وهم معذورون في فذلك فإذا بلغ" الزرق أفام لخيام" يكون غبيا من لا يخاف على نفسه.
لكن تمنيت لو يجلس أحدهم برهة صفاء مع نفسه في خلوة لا يراه من يخاف بطشه ولا يطمع نواله، ليسبر غور الواقع المجرد من أي خطاب سياسي، ويقارن موريتانيا بما عليه الحال في مصر وتونس وليبيا، ليدرك أن موريتانيا تختلف فعلا عن كل الدول التي اجتاحتها الثورة الهوجاء أو التي بدأت تنسم روحها.. لكن أي اختلاف؟!
نعم موريتانيا تختلف عن مصر لأن في مصر ثمانين مليون شخص ولا تملك أغنى شاطئ في العالم بالسمك، ولا مناجم كدية الجل وقلب الغين، ولا نصف ما لدى موريتانيا من الثورة الحيوانية، وليس في موريتانيا سوى قرابة أربعة ملايين، ربعهم هجروا كرها تحت وطأة الفاقة واستشراء الفساد.
وإن كان نظام مبارك حكم ثلاثين سنة، فالنظام القائم في موريتانيا يحكم منذ اثنتين وثلاثين سنة، استأثرت فيه شذرمة قليلة من رجال الأعمال بكل شي، ما جعل الدولة عالة عليهم.
وإن كان نظام زين العابدين حكم الدولة بيد من حديد فإن حديدنا أقوى وأصلب، وتشهد مدارس الشرطة ومفوضياتها وجيرانها وحتى ملتقيات الطرق أن الشرطي ينظر إلى أي مواطن بصفته عدوا مفترضا.
وإن كان الفساد مستشر في مصر فهو إن قورن بما لدينا كان أصحابه " صديقين"، فما لدينا لا يحتاج تحقيقا، وتكفي مشاهد تذلل الشرطة على جنبات الطرق وفي مطار نواكشوط دليلا على أن الفساد ينخر جسم الدولة من البواب إلى رئيس الدولة.
نعم نحن نختلف عن مصر، فالقاضي في أيام حسني مبارك يصدر حكما ببطلان صفقة الغاز مع اسرائيل، والقضاة عندنا ينتظرون مكالمة من وزير أو رئيس محكمة أوحتى صديق لإصدار حكم، وجيوبهم ملأى بالرشوة العلنية ويعلم أهل موريتانيا – وهي خيمة واحدة لا يكتم فيها شيء- من أين تأتي تلك السيارات الفارهة والقصور المشيدة.
ونحن فعلا نختلف عن تونس ففي تونس لست مجبرا على مغادرة البلد لدراسة أي تخصص ترغبه، وإن حصلت على الشهادة كانت فعلا شهادة يعتز بها، فمناهج التعليم تحدث دوريا، وتناسب متطلبات السوق وضرورات العصر، ولن يجادل أحد في ذلك فأبسط دليل عليه أن المتفوقين في التخصصات العلمية عندنا يمحنون إلى جامعات تونس، في حين ترزح رفوف جامعة نواكشوط اليتيمة بكومة من المناهج التعيلمة المعلبة التي لا يرغب أي طالب النظر إليها أحرى دراستها.
وإن كان ما يعاب على نظام القذافي أنه رسخ القبلية في المجتمع الليبي، فهي خصلة بز فيها نظامنا أقرانه.
ويذكر الجميع كيف أن حكومات تأخر تعيينها أو إعلانها لأن قبيلة لم تقدم مرشحها، وما من حكومة عينت في موريتانيا في العقدين الماضيين إلا روعيت فيها القبيلة قبل الكفاءة، ولن يستطيع أحد ادعاء غير ذلك فالشواهد عليه قائمة..
وإن كان الحزب الوطني الديمقراطي في مصر والتجمع الدستوري في تونس استحوذا على زمام الأمور في الدولتين فنحن كنا مثلهم في ذلك، بل فقناهم فيه فنحن خلال خمسة أعوام فقط كانت الوجوه المحنطة ذاتها تعيد ترتيب اللونين الأبيض والازرق بالانتهازية ذاتها، من الحزب الجمهوري إلى المستقلين إلى حزب "عودة" وحتى حزب " الجمهورية من أجل الاتحاد".. ويكون خبيرا من يستطيع أن يبرز عشرة من أعضاء المجلس الوطني في هذا الحزب أدركوا نظام ولد الطايع ولم يناصروه.
نعم نحن نختلف عن مصر وتونس فرئيساهما تدرجا بنزاهة في الرتب العسكرية وتخرجا من كليات حربية بل إن أحدهما كان يدرس العسكريين، أما رئيسنا فبشهادة سيرته الذاتية المنشورة على الموقع الرسمي لم يتجاوز الباكالوريا، وكان ميكانيكيا، وما زلنا نذكر جميعا يوم فصلت بزة الجنزال على مقاسه ومقاس رفيقه متجاوزين عشرات من الضباط الأولى منهما بذلك.
إن موريتانيا تحكم منذ أكثر من ثلاثين سنة من نظام واحد وإن تبدلت أقنعته المشوهة، نظام قائم على تحالف رباعي الأطراف بين العسكر ورجال الأعمال وشيوخ القبائل ورجال الأمن وهذا النظام هو سبب كل المآسي التي تعيشها موريتانيا على كل الأصعدة وقد آن الوقت لتفكيك هذا المربع ومنح الشعب الموريتاني حق حكم نفسه بنفسه من دون وصاية.
إن الجيل الجديد الذي يدعو للتغيير في موريتانيا ليس متأثرا بتونس ومصر ويخطئ من يظن ذلك، ولكن التجربتين التونسية والمصرية أحيتا جذوة أمل، فتحت رماد الصمت الطويل وميض حلم.. يبدأ بكلمات متناثرة على صفحات الانترنت ثم يصبح ذات خيبة ثورة وقودها جثث وكراسي.... وأكثر ما يخشى اليوم أن لا يتدخل عقلاء من القوم يفككون الخيوط المتشابكة لذلك المربع المقيت.. قبل أن يصل الفتيل القنبلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق